يمر الإنسان في حياته بعدة مراحل عمرية ، تختلف فيما بينها من حيث القوة والضعف ، والقدرة والعجز ، بدءاً من سن الطفولة ، إذ يعيش الإنسان في ظل والديه وتحت مسؤوليتهما المباشرة .. يربيانه ويرعيانه ، مروراً بسن الرشد والشباب ، حين يقوى عود الإنسان ، وتزداد معارفه وخبراته الحياتية ، ويكون قادراً على أن يستقل بنفسه نسبياً ، وهي مرحلة ملؤها النشاط و الأمل، والهمة والطموح، وانتهاء بمرحلة الشيخوخة والهرم ، وعندها يكون الإنسان قد عاد من جديدٍ إلى سن الضعف والعجز بعد أن أدى دوره في الحياة ، وعمل ما استطاع على تحقيق رسالته التي عاش من أجلها .
وفي ضوء هذه البديهية التي ينبغي أن لا تغيب لحظة واحدةً عن الأذهان ، فإن على الإنسان أن يستثمر مرحلة الشباب ، مرحلةِ القوة والعطاء ، أحسن استثمار ، لأنها ليست محطة دائمة في حياته ، بل لابد أن يغادرها ، طال تمتعه بها أم قصر ، لأن عجلة الزمن في حركة دائبة ، لا تتوقف أبداً ، ولأن عمر الإنسان ليس سوى هذا الزمن بأيامه ولياليه ، وساعاته وثوانيه ، يقول أمير الشعراء أحمد شوقي موضحاً هذا ألمعنى:
دقات قلب المرء قائلةٌ له إن الحياة دقائق وثواني
وهذا يعني ، بلا شك ، أن على الإنسان أن يستفيد من مرحلة الشباب قدر الإمكان، ليبني حياته على أسس وقواعد متينة ، ويكون عنصراً فاعلاً في بناء مجتمعه ووطنه بناءً سليماً ، قادراً على البقاء والصمود في وجه التحديات والصعوبات .
إن عنصر السباب في كل مجتمع إنساني هو طاقته المذخورة للمستقبل ، فإن أحسن إعدادها ، فقد أحسن إعداد مستقبله على الصورة التي يرتضيها ، واستمر في نموه وازدهاره ، وإن أهملها ، فقد أهمل مستقبله ، ليصبح هذا المجتمع بعد ذلك مجتمعاً هزيلاً يعاني من الشيخوخة والوهن ، وقد يؤدي إهماله لعنصر الشباب إلى أن يضمحل اضمحلالا تاماً.
ومن هنا تبرز أهمية مشاركة الشباب في كل منحىً من مناحي الحياة ، وفي كل شأن من شؤونها ، كما يبرز دورهم الخطير في وضع حاضر وطنهم ومستقبله وهو ما ينبغي أن ينتبه إليه الشباب ، وأن يكونوا على وعي تام به ، دون أي غفلةٍ منهم أو تساهلٍ أو تكاسل.
ومن أجل هذه المشاركة الفاعلة ، فإن على الشباب أن يكتشفوا أولاً مواهبهم التي رزقهم الله إياها ، وقدراتهم الذاتية: العقلية و الجسمية والفنية...الخ، بغية تنميتها على نحو سليم، وجعلها أداة فاعلة في خدمة أنفسهم ومجتمعهم وبلادهم ، وبذلك يتجه الشاب منذ الخطوة الأولى اتجاها صحيحاً ، بحيث يكون قادراً على التضحية والمساهمة في خدمة الآخرين وإفادتهم من خلال ما يحسن من العلم ، وما يتقن من العمل.
فإذا استطاع الشاب أن يكتشف في فترة باكرةٍ ، مواهبه وقدراته ، وأخذ في تنميتها حتى أصبحت منتجة وقادرة على العطاء ، أمكنه حينئذٍ أن يكون عنصراً فاعلاً في مجتمعه ، ولبنةً قوية في بناء وطنه، لا عنصراً خاملاً ..كسولاً ، يعيش عالةً على غيره ، ويسير في الطرقات لا يدري أين يتجه ، ولا ماذا يصنع.
من المهم أن لا يقول الشاب في نفسه""إنني ما زلت صغيراً""، أو يتوهم أنه إنسان ضعيف ، وليس بمقدوره أن يفعل شيئاً ، وأنه يختلف عن الآخرين ، ولم يؤت ما أوتوا من القدرات والإمكانات ، كلا ، بل عليه أن يمتلئ بالثقة والقوة وأن يشعر بكونه عنصراً فاعلاً في مجتمعه ، قادراً على خدمة وطنه الأردن الذي يعيش في كنفه، حياة حرة كريمة آمنةً. ويكفي أن يتذكر الشباب دائماً في هذا السياق قول النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم) :"نُصرت بالشباب"، وهي كلمة بليغة في تقدير الشباب، وبيان قدراتهم العالية ، وما يمكن أن يبذلوه في سبيل نصرة الحق والخير ، ونهضة الأمة ورفعتها...
في البيت : يسهم الشباب في مساعدة والديه وإعانتهم في أعمالهما، ضمن طاقته وما يحسن من الأعمال ، كما يعين إخوته وأخواته في أمورهم ، ويشارك الجميع في آلامهم وآمالهم ، بدءأً من الحوار الهادف ، وانتهاء بتحمل الأعباء العملية ، كما يكون محباً لجيرانه من حوله ، متعاوناً معهم ، مشاركاً إياهم في أفراحهم وأتراحهم.
وفي المدرسة : يجتهد الشاب في دروسه ، من خلال المواظبة على الحضور الفاعل النشيط ، وحسن التلقي من المعلمين، وزيارة المكتبة للمطالعة ، والتعرف إلى مصادر المعرفة، ومن خلال الحوار الايجابي الهادئ مع زملائه الطلبة، كما يقوم بالأنشطة الهادفة التي تعمق حب العلم ، وتشحذ التطلعات والآمال ، وتزرع نزعة الانتماء الصادق إلى الوطن ، والتضحية في سبيله، كما تذكي روح التعاون مع الآخرين، وتبين الحقوق والواجبات ، إلى غير ذلك مما ينمي شخصية الطالب / الطالبة ويصقلها، ويوجهها توجيهاً صحيحاً .
وفي الطريق: يحرص الشاب على إماطة الأذى أينما وجده، سواء أكان مادياً أو معنوياً ، لا يتوانى في ذلك ، لأن الإيمان يدعو إلى النظافة ، ولأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة ، كما يعين المحتاج ويأخذ بيده، ويرشد السائح الأجنبي إذا ما سأله عن أمرٍ ما أو مكانٍ ما ، ويحترم شرطة المرور ويتعاون معهم، وعليه أن لا ينسى دائماً قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : " تبسمك في وجه أخيك صدقة"، وقوله أيضاً : " أفشوا السلام بينكم"، لما لذلك من أهمية في إشاعة روح المحبة والإخوة بين الناس .
وفي إطار الأردن الذي نعيش في كنفه ، وهو جزء من أمته العربية والإسلامية، يحرص الشاب على أن يكون منتمياً صادقاً في انتمائه إلى وطنه ، لا يكتفي بمجرد الكلام أو ترديد الشعارات، بل عليه أن يحقق ذلك من خلال العمل البناء، والحوار الديمقراطي الهادف ، وحماية مقدرات الوطن وإنجازاته ، وكذلك بتفعيل روح المبادرة في مجالات الخير والبر واحترام الناس والتعاون معهم على نحو إيجابي ، بعيداً عن السلبية والتعصب والتشدد والأنانية ، ليظل هذا الوطن دائماً قوياً مزدهراً ، بإذن الله تعالى.
***----- رمـــــضانــــــــــــــــــي -----***